الساعة الكاسيو المزودة بألة حاسبة تشير إلى التاسعة إلا عشر دقائق، كتاب المعاصر الرياضيات مفتوح في منتصفه، دائرة حمراء حول مسألة في منتصف الصفحة ، الأربعاء الأخير في شهر مايو، أربعاء ما قبل سبت إختبار نهاية العام في الجبر.
هناك رغبة عارمة في فتح الملزمة الأخيرة الخاصة بحلول المسائل، ترفض الفكرة خاصة عندما والدك يبلغك بأن العالم كله وليس مسائل الجبر فقط تسير طبقاً لمنطق ما، أصوات المباراة المحتدمة في الشارع من أبناء الجيران من المنتمين للمرحلة الإبتدائية تقتحم نافذة الغرفة.
الحسد يدفعك للذهاب والتسلل سراً حيث زر التلفاز، انت تصلي لكي لا يتم "فقسك"، كل شيء يمر بطيئاً، إعلانات قاصد كريم، قبنوري، الشمعدان، جيلي كولا، جيرسي، الساعة التاسعة وباقي خمس دقائق، جنونك يصل إلى ذورته عندما ترى أن ست دقائق قد تجاوزت التاسعة، لا أمل، يبدو أن القمر الصناعي سقط في البحر، كابوس قصير لا يقطعه سوى وجه منى عبد الوهاب ومن ورائها تلك الخلفية القرمزية اللون.
إسم مارسيليا ورد ستار على شفتيها تسقطان على مسامعي كترانيم دينية، من الخلفية القرمزية إلى الصور الأولى من ملعب باري، تلك الألوان، اللون الأحمر البرتقالي الخاص باخر ساعة نهار يكسو سماء إيطاليا، جان بيير بابان وعبيدي بيليه وكريس وودل، روبرت بروزينتشكي، وبانشيف يدخلون الملعب، كل إسم كان على مدار عام كامل مجرد قصاصة ورق من مجلة الأهرام الرياضي أو لقطة يتم قطعها من منتصفها من كل نشرة أخبار الساعة التاسعة أصبح شحماً ولحماً الآن، أهازيج جمهور مارسيليا وألعاب رد ستار النارية هي الجنة، إنها أجمل 90 دقيقة في حياتك مؤقتاً قبل أن تعود "للقفص" مجدداً، قبل أن تعود لمسألة الجبر التي لا حل لها.
هذه هي خمس تفاصيل "بين السطور في" ربما أجمل خمس مباريات لنهائي دوري أبطال أوروبا في ربع القرن الأخير.
"قرار باكيرو" .. برشلونة - سامبدوريا نهائي 1992 (1 – 0)
في 15 مايو 1991 ، مانشستر يوناتيد على بعد 10 دقائق من الفوز بكأس أوروبا للأندية أبطال الكؤوس بعد التقدم بهدفين نظيفين على حساب "برشلونة كرويف". رغم هذا لا يمكن نسيان ذلك الرعب الذي صاحب وجوه بول إنس وبرايان روبسون ، ستيف بروس أثناء تكوينهم للحائط أمام ركلة على أطراف منطقة جزائهم ، إنه الرعب الملازم لكل من يريد الوقوف في وجه رونالدو كومان ، المحصلة النهائية هي كرة ثعبانية من فوق ذلك الحائط "الواهم" ، تستقر في هدوء على يمين لي سيلي ، هدف لم يغير من قسات وجه كرويف كثيراً خارج الخطوط في تلك الليلة.
في مايو 1992 كان كرويف يجلس محروماً من جرعة السجائر المعتادة على دكة بدلاء ملعب ويمبلي ، كان يبدو جالساً على مقعد ساخن ، على الرغم من أنه أخبر لاعبيه قبل ذلك اللقاء الكلاسيكي بفلسفته المعهودة برفقة فريق أحلامه:"أنتم في النهائي يا شباب ، استمتعوا بالمباراة" ، النتيجة هي واحد من أفضل المباريات النهائية في تاريخ دوري أبطال أوروبا على مستوى الفرجة ، مع إثنين من أبرز الفرق التي أنتجتها الكرة الأووروبية في نهاية الثمانينات.
في الدقيقة 111 خطأ مباشر للبارسا على اطراف المنطقة الإيطالية ، إنه نفس الرعب الذي أكتسى وجه فيرتشوود ، لومبادرو ، فيالي ، سيريزو ممن شكلوا الحائط المدهون باللون الأبيض بالخطوط السوداء الخاص بسامبدوريا في الدقيقة 111 ، كانت وجوههم يسكوها الغصب الشديد يعلمون أن هذه الألعاب قد تكون بمثابة رميات حرة بالنسبة لهولندي أشقر يرتدي القميص 4، في الوقت ذاته بدأ خريستو ستويشكوف يتخذ وضعه إستعداداً لتسديد الكرة ، خوسيه لويس بايكرو يسحب الكرة من أمامه قائلاً له:"من يسدد الركلات الحرة في البارسا هو شخص وحيد ...كومان".
10 ثواني لاحقة كان الحارس باليوكا ينظر لكرة كومان وهي تستقر في شباكه في اللعبة الوحيدة التي فشل في إيقافها بواحدة من أفضل المباريات التي لعبها كحارس لسامبدوريا في تاريخه. البارسا بطل أوروبا للمرة الأولي في تاريخه.
بعد ما يقرب من عشرين عاماً ستويشكوف يرى أن كومان هو أفضل مدافع لعب إلى جواره طوال مشواره قائلاً:"القليل من المدافعين يمتلكون مواهب كومان ، هذه المواهب أعطت البارسا مميزات عديدة على حساب خصومنا ، ببساطة لم يكن البارسا ليحقق ما كسبه دون لاعب مثل رونالدو كومان".
"ورقة خريف شول" مانشستر يوناتيد - بايرن ميونيخ 1999 (2- 1)
قبل عام كان الإيطالي جيوفاني تراباتوني المدير الفني آنذاك للبايرن يعلن في مؤتمر صحفي أسماء تسيكلر ومحمد شول وماريو بازلر كنموذج لمجموعة الكسالي في الفريق الألماني ، كارثة النادي وسبب نتائجه الهزيلة ، مؤتمر تراباتوني العاصف إنتهى بتصفيق هاديء من مجموعة الصحفيين الحاضرين.
في الكامب نو كل شيء كان جميلاً برفقة أوتمار هيتسفيلد ، بازلر يبدو كغزال شارد ، مع هدف تقدم في الدقيقة السابعة ، شول يبدو وكأنه بعث جديد لسقراطس من سيرك البرازيل 82 ، تسيكلر يبدو خطيراً بحق ، البايرن لم يلعب بهذه الرشافة طوال مشواره الرائع في موسم 98 – 99 الأوروبي. الألمان سينهون القرن العشرين بلقب قاري رابع ، بازلر في الجبهة اليسرى يضع ديفيد بيكام في جيبه ، بل إنه يضع في مراوغات متتالية بقية دفاع المانشستر في جيبه ، بازلر يجد شول في طريقه ، هذا الأخير يتسلم الكرة في إتجاه عكسي ، زاةي التسديد مفتوحة ولكن شول يفضل أن يضعها كورقة خريف متساقطة من فوق الحارس بيتر شمايكل ، هذا الأخير ومحاولته اليائسة تحكي كل شيء عن يأس الإنجليز ، إنهم خارج اللعبة الآن ، الكرة المتهادية تصطدم بالقائم الأيمن وتعود مجدداً إلى الملعب ، يبدو أن الإحتفالات ستتأجل قليلاً ، حتى لو كان يبدو أن المانشستر سيجري تغييراً بخروج أندي كول ونزول أولي سولسكاير ، إنها كما يطلقون عليها "حلاوة الروح" التي قد لا تعني الكثير!!
"قدم كاسياس".. ريال مدريد - باير ليفركوزن نهائي 2002 ( 2 – 1 )
حسناً هدف زيدان مع نهاية الشوط الأول هو أجمل وأعظم هدف تم إحرازه في مباراة نهاية لدوري الأبطال ، ولكنها الدقيقة 68 التي غيرت وجه نهائي 2002 تماماً ، سيزار حاري الريال يتألم على الأرض بسبب الإصابة بعد خوضه نهائي جلاسجو أساسياً منذ بدايتها على حساب الشاب إيكر كاسياس. إنه الوقت بدل من الضائع وأحد أفضل فرق العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحت إسم باير ليفركوزن يضغط بكل خطوطه ، وفي مقدمتهم يأتي الحارس هانتس يورج بوت. كاسياس يبعد تسديدة من الداهية باشتورك إلى ركلة ركنية ، يتصدرى لها بيرند شنايدر ، الركلة ترسل مباشرة إلى الياردات الست لتجد قدم بوت ، لكنها تهرب إلى قدم البديل البلغاري برباتوف ، ووسط ما يقرب من عشرين لاعباً في منطقة جزاء الريال الرؤية تبدو منعدمة تماماً كاسياس نظرياً هو خارج نطاق حماية مرماه ، برباتوف يتزلج حرفياً لتسديد الكرة ، إنها في الطريق إلى مرمى خال من حارسه ، لكن إبن مدينة موستوليس المدريدية من الوضع متزلجاً أيضاًَ يخرج الكرة بقدمه قبل أن يدخل هو نفسه المرمى.
بعدها ب20 ثانية ركلة ركنية كاربونية من شنايدر يرسلها على رأس برباتوف مجدداً ، لتجد قدم كاسياس من جديد تخرج الكرة من على خط مرماه. ربما لم تجهز قدم حارس مرمى من قبل على مستقبل مدير فني قدير يدعى كلاوس توبمولر ،و الذي لم تقم له قائمة بعد "محزنة جلاسجو".
"معجزة دوديك".. ليفربول - ميلان نهائي 2005 (3 – 3)
أن تستقبل ثلاثة أهداف في شوط أول لمباراة نهائية كفيل بوضعك في قائمة الخجل في تاريخ المباريات النهائية لتلك المسابقة (ربما كان الروماني سيلفيو لونج أبرز هؤلاء في السنوات الثلاثين الأخيرة بإستقباله ثلاثية في شوط واحد على يد ميلان أيضاً عام 1989). ولكن لعبة وحيدة كفيلة أيضاً بدخولك قائمة الشرف لدي جمهور فريقك للأبد ، وألا تغادر ذاكرة واحد من أبرز المهاجمين الأوروبيين في السنوات العشرين الماضية.
ما قدمه جيرسي دوديك في عامه الثاني والثلاثين في موسم 2004 – 2005 وتحديداً في تلك المباراة هو تلخيص لما عاشه ليفربول على مدار أكثر من ساعتين ، ذلك التحول من السذاجة والتلعثم ، والذي يسصل إلى حد إستقبال هدف بعد 50 ثانية فقط من البداية ، مروراً للتوازن المشوب بالتوتر في الشوط الثاني البطولي في كل لاعبيه ، والذي عرف أهم عودة لفريق في تاريخ المباريات النهائية لدوري الأبطال ، وصولاً إلى لعبة الدقيقة الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني ، والتي مهدت لدخول الفريقين ملحمة ركلات الجزاء فيما بعد.
سيرجينيو يرسل كرة فائقة الإتقان كاللدغة على رأس أندريه تشيفتشنكو ، والذي يسددها في مرمى دوديك من على بعد سبعة أمتار ، ربما إجهاد 120 دقيقة لعب قد يعد سبباً وجيهاً لكي ينتهي الأمر في الشباك دون ألم ، ولكن رد فعل دوديك بالإرتماء كرة البرق التي أرسلها الأوكراني منع من تخطيها خط مرماه في محاولة نبيلة من جانبه ، ولكن متابعة تشيفتشينكو للعبة من مسافة متر واحد معناه نهاية المباراة عملياً لصالح الإيطاليين ، إلا أن دوديك الذي جلس على ركبتيه قرر أن يضع قفازيه (وليس يديه عملياً) في مسار اللعبة ، لقد وضع كفيه في وضع إطفاء شمعة أو طارد للأرواح ممسكاً برأس رجل ملتاع ، وهو رد الفعل التي سمحت به الثانية الوحيدة التي فصلت بين اللعبتين.
في النهاية ركلة ركنية للميلان ، المهاجم الأوكراني ممسكاً برأسه ومعه 81 ألف متفرج في ملعب أتاتورك الأوليمبي أسطنبول ، ثم أول فوز أوروبي للحمر من عشرين عاماً بركلات الجزاء بفضل تفصيلة أخرى تمثلت في تصدي جديد لدوديك لركلة جزاء أمام تشيفتشينكو أيضاً!!
"بوكر ريكارد".. برشلونة - أرسنال نهائي 2006 (2 – 1)
في واحد من أكثر المباريات النهائية إنغلاقاً حسم فرانك ريكارد بنفسه نهائي 1990 لاعباً برفقة الميلان بهدف وحيد على حساب بنفيكا ، الآن يقف بعد 16 عاماً عاقداً ذراعيه خارج الخطوط حائراً كمدير فني للبارسا ، متأخرأً بهدف على يد أرسنال بعشرة لاعبين ، أرسنال يبدة متفوقاً رقمياً وميدانياً ، لا حل أمام سوى إشراك لاعب سويدي عجوز يدعى هنريك لارسن في الدقيقة 61 ، ولكن الرد جاء قاسياً من جانب أتباع فينجر ، فريق فريق أهدر للتو فرصتين أكيديتين للإجهاز على اللقب عن طريق هليب أولاً في الدقيقة 64 ، ثم تيري هنري في الدقيقة 69.
بعدها قرر ريكارد إقحام البرازيلي جوليانو بيلليتي ، المظلوم الذي سقط ضحية زميله أوليجير أساسياً في تلك المباراة ، ويبدو أن لعبة البوكر التي لعبها ريكارد بتغييرات الشوط الثاني لم تكن سيئة على الإطلاق ، البديل إنييستا يمرر لدغة إلى هنريك لارسن الذي يضعها في غلاف سلوفان لإيتو في الدقيقة 76 مسجلاً التعادل الذي كان يبدو بعيداً المنال طوال الشوط الثاني.
في الدقيقة 79 أدرك ريكارد أنه كان يمتلك الأوراق المطلوبة لفوزه بلعبة البوكر ، بيلليتي يملح لارسن شارداً من الجهة اليمني ، يمرر له الكرة ، السويدي الداهية يسحب ثلاثة لاعبين من أرسنال تجاهه ، بيللتي الذي زامل لارسن ساعة كاملة على مقعد بدلاء ملعب سان دوني الباريسي في تلك المباراة يتوغل دون كرة ، متسلماً هدية من السويدي العجوز من النوعية التي كان يتقنها ماجيك جونسون طوال حياته برفقة الليكرز ، بيللتي يلامس صندوق الياردات الست قبل أن يرسل كرته بين قدمي الحارس الإسباني ألمونيا ...لعبة البوكر إنتهت..."كيل جيم"!